الحراك الإخباري - مقام الشهيد أو رياض الفتح ..." ثورة الشاذلية على إرث بومدين"
إعلان
إعلان

مقام الشهيد أو رياض الفتح ..." ثورة الشاذلية على إرث بومدين"

منذ 4 سنوات|روبرتاج


يعتبر مقام الشهيد أو رياض الفتح، واحد من العلامات المعمارية التي تميّز العاصمة الجزائرية، حيث يشكل مقصدا للسياح والقادمين إلى العاصمة من الأجانب والرسميين الذين يتوافدون عليه للترحم على أرواح شهداء ثورة التحرير.
وإلى وقت قريب كان مقام الشهيد أيضا مزارا لتلاميذ المدارس في الرحلات المدرسية التي تنظم للتلاميذ النجباء، والجزائر تتباهى دائما بكونها تفتح الأبواب أمام أبناء البسطاء لدخول “هبل الجزائر” كما أسماه معارضو توجهات الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد.
مقام الشهيد، أو رياض الفتح، أكبر معلم يتربع على عرش “صالومبي”، ويرمز إلى فترة جد خاصة في تاريخ الجزائر المستقلة، حيث كان مقام الشهيد إلى وقت قريب رمزا لعهد الشاذلي بن جديد الذي أراد التنكر لإرث الرئيس الراحل هواري بومدين الذي تميّز بالتقشف والإبتعاد عن كل مظاهر الترف والرفاهية، بينما جاء الشاذلي بن جديد ليحمل شعار "من أجل حياة أفضل"، وكذا تشجيع التقارب مع الغرب والإنفتاح على الرأسمالية والثقافة الإستهلاكية.
 فكرة بناء نصب تذكاري يخلد شهداء الثورة التحريرية كانت قائمة منذ عهد الرئيس الراحل بومدين، وقد تم اختيار مدينة باتنة لإطلاقه، قبل أن يتم تحويل المشروع إلى العاصمة لعدة أسباب، أهمها كون الموقع كان محطة لعدة معارك تاريخية أبرزها معركة ضد الحملة الصليبية التي قادها "شارل لوكان" على الجزائر في 23 أكتوبر سنة 1541، حيث تم صد سفن “شارل لوكان” وإجبارها على العودة من حيث أتت، كما استعمله الحكام العثمانيين، كمرصد لمراقبة السواحل والسفن الراسية بالعاصمة زيادة على قرب الموقع من "فيلا سوزيني" المكان الشهير لتعذيب الجزائريين إبان الثورة.
أطلقت شركة "لافالين للهندسية" بناء المقام، واعتمدت على تصميمات عدد من الفنانين الجزائريين أمثال الرسام الشهير "بشير يلس" والخطاط "إسكندر عبد الحميد" والنحات البولوني "ماريان كونشني"، واستغرق بناءه تسعة أشهر من 15 نوفمبر 1981 إلى 5 جويلية 1982، وافتتحه الرئيس الشاذلي بن جديد سنة 1986 بمناسبة إحياء الذكرى العشرين لاستقلال الجزائر.
ويعد مقام الشهيد أكثر من معلم ثقافي أو رمز تجاري، فهو يرمز لمرحلة كاملة عاشتها الجزائر خلال عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد الذي جاء حاملا شعار الإنفتاح وزرع ثقافة استهلاكية مخالفة لتلك التي سبقته، فإلى منتصف التسعينيات كان رياض الفتح المكان المفضل للطبقة الجديدة أو الأغنياء الجدد، أو تلك الطبقة التي كان صعودها قرينا بزمن الشاذلي والشاذلية، والتي كان يلقبها العامة من البسطاء ب”لا تشيتشي”، حيث كان ثمن قهوة يومها في رياض الفتح يصل إلى 100 دج، في وقت كان ثمنها في المقاهي الشعبية لا يزيد عن 10 دج.
عندما دشن الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد مقام الشهيد يوم 28 أفريل 1986 كان يعتبر إنجاز مجمع الفنون يندرج في السعي الدؤوب لتحقيق رخاء مجتمعنا وازدهار حياة مواطنينا في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ومثل هذه المنشآت الهامة تعكس بحق طموح شعبنا إلى التجديد، وتؤكد تصميمه على المضي في طريق التقدم.
وقد أراد الشاذلي بن جديد مسح فترة الراحل هواري بومدين وفتح عهد جديد في عالم ومحيط دولي اتسم بنهاية الحرب الباردة وبداية التقارب بين القطبين، وبداية انهيار أحلام الاشتراكية، وكذا ترويض الأذواق، وإيجاد متنفس اجتماعي للأزمات والعجز الذي بدأ يظهر على النظام آنذاك، من بينها الإحتجاجات، وبداية تزايد حدة التيارات المعارضة، من الإسلاميين والتيار البربري.
كانت أيام عز مجمع الفنون برياض الفتح، وكان المكان المفضل لنجوم المجتمع من رجال السياسية والمال، حتى أن الكثير من الحكايات نسجت حوله، لأنه كان مكانا خاصا ومغلقا في وجه قطاع واسع من أبناء الطبقات البسيطة، حيث كانت الأسعار هناك تقارب الخيال مقارنة مع الدخل البسيط لعامة الشعب.
بدأ انهيار حلم رياض الفتح وقطب الفنون مع بداية انهيار نظام الشاذلي بن جديد مع نهاية الثمانينيات، وزادت حدة الاحتقان الاجتماعي مع بداية انهيار سعر النفط.
في هذا الجو، وجدت الدعاية المضادة والمعارضة، فرصتها في قصف كل ما يمت بصلة للنظام ورموزه الثقافية والإجتماعية، حيث لقب مقام الشهيد ب"هبل"، كبير آلهة قريش في الجاهلية" خاصة وأن رياض الفتح كان المكان المفضل لكل مظاهر الانفتاح، حتى أن سمعته ارتبطت بطبقة جديدة تسمح باللقاءات الغرامية بين الشبان خارج الإطار الشرعي للزواج، في وقت كانت مثل هذه المظاهر غير مقبولة في أماكن أخرى.
 هذا المكان الذي يرمز لمرحلة الشاذلية وشعار ‘'من أجل حياة أفضل''، ارتبط في المخيلة الشعبية بمحاولة الشاذلي بن جديد التخلص من إرث بومدين وتعلق الناس به، فاختار إنشاء معلم يصرف به أنظار الناس عن مقبرة العالية حيث يرقد "الموسطاش"، كما كان يلقبه الشارع الجزائري، فقام بتشييد مقام الشهيد وأعد ترسانة من رجاله للإشراف على رعاية هذا الحلم، منهم والي العاصمة آنذاك شريف رحماني الذي أنشأ جمعيات ‘'شباب 2000'' التي كانت واجهة لظهور برجوازية جديدة، كما أشرف الكولونيل سنوسي على رأس مجمع رياض الفتح، على تسيير سلسلة من المطاعم والمحلات ودور العرض التي كان يرتادها “نجوم” المجتمع الجديد.
وكان الرئيس الشاذلي بن جديد يعول كثيرا على إعادة تشكيل صورة الجزائر في محيط دولي يشهد متغيرات كثيرة، منها انهيار الدول الإشتراكية الواحدة بعد الأخرى، غير أن انهيار أسعار النفط وتصاعد حدة التيارات المعارضة لنظام الشاذلي بن جديد عجل برحيل الرئيس ورحيل أحلامه وانهيار واحد من رموز الإنفتاح في الجزائر.

نعيمة . م

تاريخ Dec 1, 2019