الحراك الإخباري - المراكز الثقافية الأجنبية بالجزائر... تنافس فرنسي تركي وغياب عربي
إعلان
إعلان

المراكز الثقافية الأجنبية بالجزائر... تنافس فرنسي تركي وغياب عربي

منذ 4 سنوات|روبرتاج


توصف عادة الثقافة بالقوة الناعمة، حيث لم تعد دول اليوم بحاجة إلى جيوش وحملات عسكرية لاحتلال وفرض سيطرتها على أي دولة أخرى، فيكفي أن تنشر ثقافتها وتفرضها على تلك الدول لتجعلها منطقة نفوذ أو محمية، فالثقافة اليوم صارت الواجهة الأكثر أناقة للحملة العسكرية خاصة وإن كانت الدول المعنية عاجزة عن تسويق ثقافتها مع كل الإرث والتنوع الذي يؤهلها لتكون سيّدة الواجهة.
الجزائر "قارة ثقافية"، كما اعتبرتها يوما الوزيرة السابقة للثقافة خليدة تومي، لكنها للأسف ما تزال غير قادرة على تسويق هذا التنوع رغم الثقل الإستراتيجي بالنظر للإمكانيات المتاحة، لكنها من جهة أخرى، بقيت مجهولة لدى الأشقاء والأصدقاء، كما بقي جزء من الأصدقاء والأشقاء مجهولين عندنا باستثناء فرنسا التي مازالت بعد قرابة الستين عاما من الإستقلال تتحكم في مداخل ومخارج الجزائر ثقافيا.
بالنظر إلى المراكز الثقافية الأجنبية الناشطة في الجزائر، يتربع المركز الفرنسي بالجزائر على عرش النشاط والنفوذ، حيث يتفوق في نشاطاته واهتمامه بالساحة الثقافية في الجزائر حتى على وزارة الثقافة، مثلما سبق وأن صرح بذلك أحد مسؤوليه لجريدة ليبيراسيون الفرنسية.
وقد عاد المعهد الفرنسي في السنوات الأخيرة، للنشاط بقوة أكبر بعد توقفه إبان العشرية السوداء، حيث تحول من مركز إلى معهد يجمع أربع مراكز جهوية في أكبر المدن الجزائرية وهران، عنابة وتلمسان، في انتظار توسيعه إلى مناطق أخرى من الجنوب. وقد جاء إعادة ترتيب وهيكلة المعهد، حسب تصريحات المسؤولين الفرنسيين، في إطار إعادة الإعتبار للغة والثقافة الفرنسية في الخارج، خاصة في مستعمراتها القديمة.
وفي هذا السياق، اعتبر السفير الفرنسي السابق بالجزائر كزافييه دريونكور ”هذه المبادرة استجابة لخيار الحكومة الفرنسية لدعم المساعي الثقافية الفرنسية عبر العالم، ضمن ما يسمى بالدبلوماسية الثقافية”.
ومما ساعد المركز الثقافي الفرنسي بالجزائر على العمل بنشاط كبير، هو الإستقلالية التي يتمتع بها عن السفارة، وكذا الميزانية المخصصة له والمقدرة ب 14 مليون أور، 44 بالمائة منها مخصصة للتعاون الجامعي والعلمي، و17 بالمائة منها مرصودة لتدريس اللغة الفرنسية ودعم النشاطات الثقافية التي يقيمها المعهد.
ويتميز النشاط الثقافي الفرنسي الموجه للجزائر وخاصة لشريحة الشباب من كتاب وسينمائيين بكثافته وتنوعه، لأن فرنسا تعتبر الجزائر حديقة خلفية لها، ولها السبق والأولوية في هذا الجانب، وبمجرد أن أحسّت فرنسا أن ثمة من يزاحمها في هذا الحق، سعت إلى إعادة بعث الثقافة واللغة الفرنسية في الجزائر عبر "الدبلوماسية الثقافية".
وقد كان عدد المسجلين في المعهد حتى عام 2008 لا يتجاوز 4571 مسجل، لكنه
تضاعف في السنوات الأخيرة بشكل كبير، حيث تشير أرقام المعهد الثقافي الفرنسي بالجزائر في هذا الصدد، أن هناك 11065 مسجل في أقسام الدروس التدعيمية وتحسين المستوى في اللغة الفرنسية، أغلب المسجلين هم من فئة الطلبة والعمال.
وأكد مدير قسم اللغات بالمعهد في تصريح سابق نقلته ليبيراسيون الفرنسية، أن عدد المسجلين تضاعف بأكثر من النصف خلال أربع سنوات، وبعد عشر سنوات من استئناف الدروس في مدرسة ألكسندر دوما الثانوية الفرنسية بالجزائر، وكذا فتح
ابتدائية فرنسية في دالي إبراهيم لتدعيم اللغة والثقافة الفرنسية عام 2012، وبذلك استفردت فرنسا بالساحة الثقافية في الجزائر، خاصة وأنها وجدت المجال خاليا أمامها والأبواب كلها مفتوحة أمامها، وهذا بعد أن تمت عرقلة أو تحييد المراكز العربية، فالمركز المصري ما زال ينتظر موافقة وزارة الخارجية لإعادة فتحه بعد غلقه أثناء الأزمة الأمنية، والمركز السوري أيضا ما زال ملفه مطويا، والمراكز الأخرى الأجنبية الموجودة في الجزائر مثل المركز الإسباني والألماني والإيطالي انحصرت نشاطاتها في محاولة الترويج للغاتها وتقديم بعض الخدمات للطلاب، على وجه الخصوص، وهذا بعد أن عجزت عن منافسة المد الثقافي الفرنسب وتغلغل نشاط المعهد الفرنسي.
وفي سياق المنافسة على افتكاك مكانة، تحاول كل من السفارة البريطانية والأمريكية فتح مراكز متخصصة في تعليم اللغة الإنجليزية، بعدما لاحظت إقبال الشارع الجزائري وخاصة شريحة الشبان على تعلم الإنجليزية، ولكن يبقى هذا النشاط محتشما جدا، أمام نفوذ نشاط المركز الفرنسي.
 وقد أعادت مؤخرا الأزمة الليبية إلى الواجهة الحديث عن النفوذ الثقافي التركي بالجزائر، حيث تسعى بلاد أردوغان إلى استعادة ما تعتبره إرث تاريخي وثقافي لها بالجزائر، خاصة وأنها تعتبر فرنسا غريمتها في هذا الإتجاه بعد "طرد الدولة العثمانية من الجزائر"، حيث سبق وأن أعاد الرئيس التركي الحديث عن جرائم فرنسا في الجزائر عندما سعت فرنسا بدورها لاستصدار قانون يجرم الإبادة ضد الأرمن، لكن فرنسا سحبت القانون تحت التهديد التركي ومخافة الضغط اقتصاديا من الدولة التي يرفضها الإتحاد الأوروبي، لأن لها ماض إسلامي، خاصة وأن تركيا سعت فعلا عبر برلمانها لاستصدار قانون يجرم الإبادة الفرنسية للجزائريين إبان الحقبة الاستعمارية.
في هذا الإطار، تتخوف فرنسا من أن تفقد مكانتها الثقافية في الجزائر أمام المنافسة التركية، خاصة وأن الشارع الجزائري لا يشعر اتجاه تركيا بذات الحساسية الإستعمارية الموجودة تجاه فرنسا. فالجزائريون يعتبرون التواجد التركي بالجزائر، حماية وليس استعمارا، فضلا عن وجود العامل الديني الذي بإمكانه إيجاد الكثير من التوافق.
الإهتمام التركي ثقافيا بالجزائر، ازداد في السنوات الأخيرة من خلال هبات واتفاقيات التعاون والشراكة في مجال ترميم وإعادة الإعتبار للمواقع والمعالم الأثرية التركية في الجزائر كالقصبة، ومسجد كتشاوة، فضلا عن الحلقات الفكرية التي تعمل على إيجاد نقاط التواصل بين المفكرين الأتراك ونظرائهم من الجزائر، مثل حلقة "عبد الله كولن" والمفكر مالك بن نبي"، التي نظمت سابقا بالعاصمة، وحظيت بدعم ورعاية الجانب التركي.
فيما وجدت فرنسا دعما لنشاطاتها من قبل اللوبي"الفرانكفوني" الذي سيطر لعقود على الإدارة الجزائرية، غير أن الإتجاه التركي يج نفس الدعم من قبل بعض النخب الحزبية والمالية القريبة من ادتيار الإخوان المسلمين لتبني الخيار التركي، حيث تحاول بعض الأحزاب الإسلامية تبني الطرح القادم من أنقرة لتعويض خسارتها واسترجاع شرعيتها في الشارع الجزائري.

نعيمة .م

تاريخ Dec 30, 2019