الحراك الإخباري - يتخبطون في جملة من الاضطرابات والمشاكل أولياء في مواجهة "التوحّد" الداء المنسي والمهمّش
إعلان
إعلان

يتخبطون في جملة من الاضطرابات والمشاكل أولياء في مواجهة "التوحّد" الداء المنسي والمهمّش

منذ 4 سنوات|روبرتاج


عذاب في أرقى صوره، ذلك الذي يكابده على مضض أولياء الأطفال المصابين باضطراب التوحد أو " الأوتيزم"، يبدأ منذ اللحظات الأولى لاكتشاف تصرّفات غريبة لفلذات أكبادهم، تتفاقم أمام حقيقة تأتيهمّ على لسان الطبيب المختص، لتزداد حدّة في مجتمع غير مهيّأ البتّة لاحتضان أطفالهم، تأخّر في التشخيص، نقص في أطباء " الأمراض العقلية للأطفال " بيدوبسيكياتر"، نقص في مراكز العناية، دور حضانة ومدارس ترفض استقبالهم ومشاكل لا حصر لها، يواجهها بعضهم بصبر كبير بينما يفشل أخرون ويستسلمون في أوّل عثرة، خاصّة إذا لم يسبق لهم الاطلاع على طرق التعامل مع مثل هذه الحالات أو مواجهتها.

ارتفاع مخيف لمعدل الاصابة بالتوحد في الجزائر

يعرف التوحد طبيا، بأنه اضطراب عصبي يؤثر في النمو، ويحدث في مرحلة مبكرة من الطفولة، ويستمر طوال فترة الحياة. كما يؤثر في كيفية تصرف الشخص وتفاعله مع الآخرين ويؤثر أيضا في تواصله وتعلمه، بينما تبقى أسبابه غير معروفة حتى الآن، وهناك بحوث تقترح أن العوامل البيئية والجينية لها دور مهم.
تقديرات المختصين تتحدث عن اصابة نحو طفل واحد من بين كل100 طفل بمرض التوحد والأولاد أكثر بأربع مرات من البنات، الاحصائيات العالمية تكشف عن تسجيل في سنة 2018، 500 ألف طفل مصاب بالتوحد في الجزائر ، وهي الاحصاءات التي تعكس اصابة واحدة بالتوحد من بين 55 مولود جديد، وأكد المختصون ارتفاعها خلال العام الجاري ودقوا بشأنها ناقوس الخطر، داعين إلى ضرورة التكفل الأمثل والمبكر بهذه الفئة للتقليل من حدة الاصابة.

أعراض تبحث عن التشخيص

"ابني الذي لم يبلغ العامين ليس مثل غيره من الأطفال، يرفض العناق، يدير عجلات السيارة اللعبة ولا تشغله ألعاب التقليد أو اللعب التخيلي"، "ابنتي تتأرجح، تدور، ترفرف بيديها، تمشي على أطراف أصابعها وترفض الاستجابة عندما أناديها"، " ابني يكرّر نفس السلوكات، يعاني من مشاكل في التفاعل الاجتماعي ومهارات التواصل"،.. أسئلة وغيرها تطرحها أمهات الأطفال المصابين بالتوحد، بحثا عن مخرج لمعضلتهنّ والأهم من يأخذ بأيديهنّ لتجاوز " ضرر نفسي" غاليا ما يصيب العديد منهنّ " نتيجة عدم تقبّل الواقع.

 حسينة من أم معالجة إلى مريضة نفسيا

تقول السيدة حسينة (41 سنة) لـ"الحراك الاخباري"، عن إصابة ابنها " رمزي" بالتوحّد":" لاحظت تغيّرا طفيفا في سلوكات ابني بعمر الـ 18 شهرا، بدت عيناه شاردتان، غابت الحروف التي كان ينطقها تدريجيا، بدأ يرفرف بيديه، كما شعرت بقلق حيال نموه، كان يرفض حتى الأكل".
حسينة كانت تبكي بحرقة وهي تحاول ضمّ طفلها إلى صدرها بينما رفض بشدّة حتى تقبيله مصرّا على " سلّ خيوط منشفة أخرجها من جيبه" أخبرتنا بأنه يفعل ذلك يوميا، يصرخ ويقوم بتكسير كلّ شيء أمامه في حال إخفائها له، مما سبّب لها قلقا سرعان ما تحوّل أمام تفاقم حالته إلى مرض نفسي استلزم علاجها بمصحّة نفسية.
 أسرّت إلينا والدة رمزي بقولها " ابني قام بسلّ خيوط جميع منشفات الحمام، الصراخ ولطم رأسه عل الحائط سبيله الوحيد للتعبير عن انزعاجه خاصة إذا أخفيتها عنه، مراقبتي الدائمة له ناهيك عن فشلي في ايجاد مدرسة تقبل حالته، سببا لي مرضا نفسيا حادا، ولا زلت أعالج بمصلحة الأمراض النفسية بمستشفى مصطفى باشا".

آهات الأمهات وأنين الأباء تبحث عمن يخففها

مجموعة من الأمهات كنّ برفقة " حسينة" بقاعة الانتظار بالمؤسسة الإستشفائية المتخصصة دريد حسين بالجزائر العاصمة، كانت كلّ واحدة منهنّ تحاول رفع معنويات الأخريات بشعار " البليّة إذا خفّت عمّت"، لا حديث دار بينهنّ سوى عن النظرة السلبية للمجتمع لأبنائهنّ، جلست وسطهنّ أستمع إلى " آهات" نسوة و" أنين" داخلي تارة وعلنيّ في الكثير من الأحيان، بل هي صرخات تطلقها أمهات أطفال التوحّد في وجه مجتمع " لم يرحم أبناءنا وفاقم من معاناتنا"، تقول سيدة كانت بانتظار دخول ابنتها إلى حصّة العلاج في قاعة " الأرطفونيا"، لتضيف " لا هم تكفّلوا بأبنائنا ولا تركونا نتكفّل بهم بسلام".
ظهر من خلال حديث والدة " مروى البالغة 6 سنوات، أنها تقطن بولاية المسيلة، تضطرّ مرّة كلّ 15 يوما، إلى القدوم إلى العاصمة بتكاليف باهضة لعلاج ابنتها بذات المستشفى، أين تخضع لبعض التمارين لمدة نصف ساعة في إطار برنامج العلاج الأمريكي "شوبلر" الذي يدوم ثلاث سنوات، على أن تكرّرها لها في البيت لإكسابها مهارات دون إهدار قدراتها العقلية، "بسبب الاكتظاظ الذي يعاني منه المستشفى".
 وفيما تنهدت الأم التي ظهر العياء جليا على محياها، بعمق ينم عن متاعب واجهتها في التكفل بابنتها، أردفت بالقول " حياتي لغيتها على جال بنتي حتى لا تعيش على هامش المجتمع، بعدما ابتليت بهذا المرض المنسي والمهمش في الجزائر"، مشيرة إلى أن " نقص مراكز العناية جعل اسم ابنتي يدون دوما في قائمة الانتظار، يقال لي سنتصل بك لاحقا في حال وجد مكان شاغر، ولكن طال انتظاري ولم أحظ بالاستدعاء".

 تأخر التشخيص فاقم حالة بهاء الدين

من جهته، كشف محمد والد الطفل" بهاء الدين، 5 سنوات، أنّ "نقص تكوين المختصين في الداء أخّر تشخيص حالة ابني إلى غاية بلوغه ثلاث سنوات، بعمر 15 شهرا لاحظنا عدم تركيزه على الصور التي ينظر إليها، وبعمر العامين لا يستطيع تكوين كلمتين سويًا، ليزداد قلقنا عدم استطاعته تكوين كلمة مفيدة والاكتفاء بهمهمات غير مفهومة، صاحبها عدم استيعابه للتعليمات البسيطة، ورفضه القاطع التفاعل مع الأطفال الآخرين".
الأطباء أرجعوا سبب تأخر النطق لدى الطفل بهاء الدين، حسب والده، في البداية إلى " التصاق اللسان بسقف الفم، ما صعّب على ابني تحريك لسانه للنطق"، غير أن "تفاقم حالته جعلتهم يتراجعون ويؤكدون بأن ابني مصاب باضطراب التوحد، ابنك أوتيست قالت لي الطبيبة المختصة وقد بلغ من العمر 3 سنوات، واليوم وصل إلى سنّ التمدرس، فيما كان بإمكاني علاجه منذ البداية"، يقول محمد بدموع محرقة حاول جاهدا حبسها، بينما أبت إلا النزول كاشفة عن حجم الضرّ الذي يختزن باطن الرجل وهو يردّد على مسامعنا " انضريت بزاف وما قديتش نزيد نصبر، أما المرا فحالتها راهي تشف تعبنا واعيينا والصبر من عند الله".

 كريم .. توحدي يختصر إرادة أم ورسالة أمل

من جهتها، كشفت الاعلامية حياة عمران في حديثها لـ" الحراك الاخباري"، عن معاناة ابنها الوحيد " كريم" المصاب بالتوحّد من " عراقيل مجتمعية صعبت من مهمّة تكفّلها به ومساعدته على تجاوز اضطراب التوحد"، قائلة " كأم لطفل من ذوي القدرات الخاصة أعتبر الاحتفالات المنظمة كل سنة احتفاء بما يسمّى اليوم العالمي أو الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة، مجرد إسم لا يحمل في طياته مضمون ومفهموم واحتياجات هذه الشريحة الهشة من مجتمعنا".
وأعابت حياة عمران " الشعارات الجوفاء التي لطالما أطلقها مسؤولون بمناسبة أو بدونها بقيت حبرا على ورق"، شأنهم في ذلك شأن "عديد الجمعيات المختصّة التي لا تتوانى في تبنّي شعارات خاوية، تقيم لها حفلات نستدعى لحضورها برفقة أطفالنا، تنظم على شرفنا مأدبة فطور، نصفّق ويرقص أطفالنا طويلا، ولكن السؤال المطروح: ماذا بعد ذلك؟، أو هل مشاكل أبنائنا المرضى تقتصر على ملإ بطونهم أو الاستمتاع برقصات تتخللها تصافيق مبهمة؟" تتساءل والدة كريم.
في ذات السياق، ندّدت محدّثتنا بقيام الكثير من الجمعيات وغيرهم بأخذ صور فوتوغرافية للأطفال المصابين بأمراض ذهنية ونشرها عبر وسائط التواصل الاجتماعي، بغرض جلب المزيد من التعليقات، مشيرة إلى أن المصابين بالتوحد يعون ما يجري من حولهم، مستدلة بحالة ابنها كريم " هو لا يتكلم وأحيانا يتعرض للقلق حين لا نفهم ماذا يريد، أربعة عشرة سنة ونحن نعمل على تحسين سلوكه وتطوير مهاراته بينما يستوعب جيدا ما يدور حوله".

صبر وتجلد لتحدي معاناة بحجم قارة

" معاناتي كانت كبيرة بحجم قارة، وأنا أبحث عن كرسي بمدرسة لتمكين ابني من التمدرس كبقية أقرانه"، تقول حياة بحرقة لا متناهية، " غير أن قدر ابني أن يرفض من أساتذة أجادوا فنون الشكوى بكل المقاييس، لتكون وجهتي طرق أبواب الجمعيات الخيرية لعل وعسى أفلح في مساعدة ابني على الاندماج في مجتمع نفض يديه من أمثاله، بعد أن أصبح رساما في البيت دون مؤطر".

كريم، حسب والدته، منخرط في جمعية شمس للفنون العلاجية وحاليا في "بروفايل أكاديمي"، يجيد السباحة، ركوب الخيل والرسم "والحمد لله يفهمني وأفهمه لقد اخترع وسيلة خاصة للتواصل عن طريق الرسم على الكمبيوتر ببرنامج paint الذي يجيد استعماله دون تكوين".
حياة ختمت حديثها معنا بعبارة لخّصت جميع آمال أولياء الأطفال المصابين بالتوحد مفادها " أفتخر بإبني المصاب بالتوحد، سأتحدّى المجتمع وسأعمل على تعليمه وحمايته لأخر نفس من عمري"، وإنّ المستقبل لناظره لقريب 


سمية.م


تاريخ Dec 17, 2019